الخميس، 21 يناير 2010

هارون الرشيد و الإمارة

حدث الفضل بن الربيع قال :
حج أمير المونين – هارون الرشيد – فأتاني فخرجت مسرعا .
فقلت : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك .
فقال : ويحك قد جال في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله .
فقلت : ها هنا سفيان بن عيينة .
فقال : امض بنا اليه .
فأتيناه فقرعنا الباب فقال : من هذا ؟
قلت : أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعا .
فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي لأتيتك .
فقال : خذ لما جئنا له رحمك الله ، فحدثه ساعة ثم قال له : عليك دين ؟
قال : نعم . قال هارون : أبا العباس أقض عنه دينه .
فلما خرجنا قال : ما أغني عني صاحبك شيئا . أنظر رجلا أسأله .
قلت : هنا عبد الرزاق بن همام .
قال : أمض بنا إليه ، فأتيناه فقرعنا الباب ، فخرج مسرعا فقال : من هذا ؟
قلت : أجب أمير المؤمنين .
فقال : يا أمير المؤمنين ... لو أرسلت إلي لأتيتك .
فقال هارون : خذ لما جئنا من له ، فحادثه ساعة ثم قال له : عليك دين ؟
قال : نعم . قال : أبا العباس أقض دينه .
فلما خرجنا قال : ما أغني عني صاحبك شيئا ، انظر لي رجلا أسأله .
قلت : ههنا الفضيل بن عياض .
قال : امض بنا إليه . فأتيناه فإذا هو قائم يتلو آية من القرآن و يرددها .
فقال هارون : أقرع الباب .. فقرعت الباب . فقال : من هذا ؟
قلت : أجب أمير المؤمنين .
قال : ليس لأمير المؤمنين حاجة إلينا
قلت : سبحان الله أما له عليك حق الطاعة ؟
فنزل و فتح الباب ، ثم ارتقي إلي الغرفة و أطفأ السراج و التجأ إلي زاوية من البيت فدخلنا و جعلنا نجول بأيدينا ، فسبقت يد هارون كفي قبلي إليه . فقال الفضيل : يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله .
فقلت في نفسي : ليكلمنه الليلة بكلام من قلب تقي .
فقال له هارون : خذ لما جئناك له ، رحمك الله .
فقال : إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله و محمد بن كعب و رجاء بن حيوة ، فقال لهم : إني ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي . فعد الخلافة بلاء و عددتها أنت و أصحابك نعمة .
فقال سالم لعمر بن عبد العزيز : إن أردت النجاة من عذاب الله ، فصم عن الدنيا و ليكن إفطارك منها الموت .
و قال له محمد بن كعب : إن أردت النجاة من عذاب الله ، فليكن كبير المؤمنين عندك أبا و أوسطهم عندك أخا و أصغرهم عندك ولدا . فوقر أباك و أكرم أخاك و تحنن علي ولدك .
و قال رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك ، و اكره لهم ما تكره لنفسك ، ثم مت إذا شئت . و إني أقول لك : إني أخاف عليك يوما تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله حاشية مثل هؤلاء ؟ أو من يشير عليك بمثل هذا ؟
فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا حتي غُشي عليه .
فقلت : ارفق بأمير المؤمنين .
فقال : يا بن الربيع ... تقتله أنت و أصحابك و أرفق به أنا ؟
ثم أفاق الرشيد فقال : زدني رحمك الله .
فقال : يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه ، فكتب عمر إليه : يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار ، مع خلود الأبد .
فلما قرأ عامل عمر بن عبد العزيز الكتاب طوي البلاد حتي قدم عليه ،
فسأله عمر : ما أقدمك ؟
قال : خلعت قلبي بكتابك . لا أعود إلي ولاية حتي ألقي الله
فبكي الرشيد و قال : زدني .
فقال : يا أمير المؤمنين إن العباس عم النبي صلي الله عليه و سلم جاءه فقال : يا رسول الله أمرني إمارة .
فقال النبي صلي الله عليه و سلم : إن الإمارة حسرة و ندامة يوم القيامة فإن استطعت ألا تكون أميرا فافعل .
و هارون الرشيد يبكي ، فقال : يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز و جل عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه النار فافعل ، و إياك أن تصبح و تمسي و في قلبك غش لأحد من رعيتك ، فإن النبي قال : من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة .
فسأله هارون الرشيد وهو مازال يبكي : عليك دين ؟
قال : نعم دين لربي لم يحاسبني عليه ، فالويل لي ان سألني ، و الويل لي إن ناقشني و الويل لي إن لم أُلهم حجتي .
قال : انما أعني من دين العباد .
فقال الفضيل : إن ربي لم يأمرني بهذا ، انما أمرني أن أصدق و عده ، و أطيع أمره فقال عز وجل : و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين .
فقال هارون : هذه ألف دينار خذها فأنفقها علي عيالك و تقر بها عبادتك . فقال : سبحان الله انا أدلك علي طريق النجاة و أنت نكافئني بمثل هذا ؟ وفقك الله .
ثم صمت فلم يكلمنا . فخرجنا من عنده و عند الباب قال هارون :إذا دللتني علي رجل فدلني علي مثل هذا .
فلما انصرفنا دخلت عليه أمرأة من نسائه فقالت : يا هذا قد تري ما نحن فيه من ضيق الحال ، فلو قبلت هذا المال فتفرحنا به ؟
فقال لها : مثلي و مثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون مكسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه . فلما سمع هارون هذا الكلام قال : ندخل عسي أن يقبل المال . فلما علم الفضيل خرج و جلس في السطح علي باب الغرفة فجاء هارون و جلس بجانبه .. و جعل يكلمه و الفضيل لا يجيبه ، و بينما نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت : يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله ، فانصرفنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق