الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

رجل من رجالات أكتوبر / المشير أحمد إسماعيل


كانت حياة أحمد إسماعيل مجموعة من المفارقات الغريبة لعب فيها القدر دورا كبيرا في رسم شخصيته ، قبل أن يولد كانت والدته قد أنجبت قبله ستة بنات ولما حملت فيه فكرت في إجهاض نفسها خشية أن يكون المولود بنتا أخرى لكنها لم تفعل، وجاء المشير أحمد إسماعيل إلى الدنيا في 14 أكتوبر 1917 في المنزل رقم 8 بشارع الكحالة الشرقي بشبرا.كان والده ضابط شرطة وصل إلى درجة مأمور ضواحي القاهرة ، وعقب حصول أحمد إسماعيل على الثانوية العامة من مدرسة شبرا الثانوية حاول الالتحاق بالكلية الحربية لكنه فشل فالتحق بكلية التجارة وبعد مرور عام على وجوده في كلية التجارة حاول الالتحاق بالكلية الحربية مرة ثانية لكنه فشل مرة أخرى.وفي عام 1934 وكان وقتها في السنة الثانية قدم أوراقه مع الرئيس الراحل أنور السادات إلى الكلية الحربية للمرة الثالثة لكن الكلية رفضت طلبهما معا لأنهما من عامة الشعب إلا أنه لم ييأس وقدم أوراقه بعد أن أتم عامه الثالث بكلية التجارة ليتم قبوله أخيرا بعد أن سمحت الكلية للمصريين بدخولها.كان زميلا لكل من الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس جمال عبد الناصر في الكلية الحربية حيث شهد عام 1938 تخريج دفعتين الأولى تخرج فيها البطل عبد المنعم رياض والثانية تخرج فيها جمال عبد الناصر وأحمد إسماعيل. وبعد تخرجه برتبة ملازم ثان التحق بسلاح المشاة وتم إرساله إلى منقباد ومنها إلى السودان، ثم سافر في بعثة تدريبية مع بعض الضباط المصريين والإنجليز إلى ديرسفير بفلسطين عام 1945 وكان ترتيبه الأول.أشترك في الحرب العالمية الثانية - التي دخلتها مصر رُغما عنها بسبب وقوعها تحت الاحتلال البريطاني – كضابط مخابرات في الصحراء الغربية حيث ظهرت مواهبه في هذا المضمار.شارك في حرب فلسطين عام 1948 كقائد سرية، وكان أول من ينشئ قوات الصاعقة في تاريخ الجيش المصري كما شارك في إنشاء القوات الجوية. وفي عام 1950 حصل على الماجستير في العلوم العسكرية وكان ترتيبه الأول، وعين مدرسا لمادة التكتيك بالكلية لمدة 3 سنوات، تمت ترقيته عام 1953 لرتبة لواء.وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تصدى له كقائد للواء الثالث في رفح ثم في القنطرة شرق وكان أول من تسلم بورسعيد بعد العدوان التحق عام 1957 بكلية مزونزا العسكرية بالإتحاد السوفيتي ثم عمل كبير معلمين في الكلية الحربية عام 1959 وتركها بعد ذلك ليتولى قيادة الفرقة الثانية مشاة التي أعاد تشكيلها ليكون أول تشكيل مقاتل في القوات المسلحة المصرية.تولى قيادة قوات سيناء خلال الفترة من عام 1961 حتى عام 1965، وعند إنشاء قيادة القوات البرية عين رئيسا لأركان هذه القيادة وحتى حرب 1967.بعد النكسةبعد أيام من النكسة أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بإقالة عدد من الضباط وكبار القادة وكان من بينهم أحمد إسماعيل، وبعد أقل من 24 ساعة أمر الرئيس عبد الناصر بإعادته للخدمة وتعيينه رئيسا لهيئة العمليات. تم تعيينه في العام نفسه قائدا عاما للجبهة، وكان لديه شعور وإحساس قوي أن الجيش المصري لم يُختبر في قدراته وكفاءته خلال حرب 1967 ولم يأخذ فرصته الحقيقية في القتال، وكان يعتقد أن المقاتل المصري والعربي لم تتح له الفرصة لمنازلة نظيره الإسرائيلي منازلة عادلة لأنه لو أتيحت له هذه الفرصة لكانت هناك نتيجة مغايرة تماما لما حدث في النكسة.وكان على قناعة تامة بأنه لا يمكن استرداد الأرض المصرية والعربية التي سلبتها إسرائيل عام 1967 بدون معركة عسكرية تغير موازين المنطقة وترفع لمصر والعرب هامتهم، لذلك بدأ في إعادة تكوين القوات المسلحة فأنشأ الجيشين الثاني والثالث الميدانيين، وكان له الفضل في إقامة أول خط دفاعي للقوات المصرية بعد 3 أشهر من النكسة.جمع شتات القوات العائدة من سيناء وأعاد تنظيمها وتسليحها وخلال فترة وجيزة خاض بهذه القوات معارك أعادت الثقة للجندي المصري في رأس العش، والجزيرة الخضراء ودمرت القوات البحرية المدمرة الإسرائيلية إيلات.بعد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض في 9 مارس 1969 أختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليتولى منصب رئيس الأركان وهو المنصب الذي اُعفي منه في العام نفسه حينما أعفاه الرئيس عبد الناصر من جميع مناصبه!.عكف بعد إعفائه من مناصبه على كتابة خطة حربية مثالية لاستعادة سيناء وأنهى هذه الخطة بالفعل معتمدا على خبرته وما يملكه من قراءات موسوعيه في التاريخ العسكري، وقرر إرسال الخطة للرئيس عبد الناصر لكنه أحجم عن ذلك في اللحظة الأخيرة. بعد وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1970 وتولى الرئيس أنور السادات تم تعيين أحمد إسماعيل في 15 مايو 1971 مديرا للمخابرات العامة وبقى في هذا المنصب قرابة العام ونصف العام حتى 26 أكتوبر 1972 عندما أصدر الرئيس السادات قرارا بتعيينه وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة خلفا للفريق محمد صادق ليقود إسماعيل الجيش المصري في مرحلة من أدق المراحل لخوض ملحمة التحرير. وقد كتب الفريق أول ( أحمد إسماعيل ) ظروف تعيينه وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة بقلمه حيث قال : ( كان هذا النهار أحد الأيام الهامة والحاسمة في حياتي كلها ، بل لعله أهمها على الإطلاق .. التاريخ 26 أكتوبر 1972- 19 رمضان 1392هـ حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر ، والمكان .. منزل الرئيس السادات بالجيزة .. كنا – سيادته وأنا – نسير في حديقة المنزل .. لم أكن أدرى سبب استدعائي ، ولكنى توقعت أن يكون الأمر هام وخطير ، وبعد حديث قصير عن الموقف حدث ما توقعته حيث أبلغني سيادته بقرار تعييني وزيرا للحربية اعتبارا من ذلك اليوم ، وفى نفس الوقت كلفني بإعداد القوات المسلحة للقتال بخطة مصرية خالصة تنفذها القوات المسلحة المصرية ليتخلص بها الوطن من الاحتلال الصهيوني ، كان لقاؤه لي ودوداً إلى أقصى حد ، وكان حديثه معي صريحاً إلى كل حد ، وعندما أنتهي اللقاء ركبت السيارة لتنطلق في شوارع القاهرة وشريط من الذكريات والأحداث والظروف تمر في ذهني وأمام عيني .. هآنذا أعود مرة أخرى لارتدى الملابس العسكرية حيث كانت آخر مرة خلعتها يوم 12 سبتمبر 1969م عندما أبلغني الفريق محمد فوزي وزير الحربية قرار إعفائي من منصبي كرئيس للأركان ، وأذكر وقتها أنني قلت لوزير الحربية : ( كل ما أرجوه أن أتمكن من الاشتراك في القتال عندما يتقرر قيام القوات المسلحة بحرب شاملة ضد إسرائيل ، وفى هذه الحالة أرجو أن أعود إلى الخدمة ، ولو كقائد فصيلة أو جندي ) . في 28 يناير 1973 عينته هيئة مجلس الدفاع العربي قائدا عاما للجبهات الثلاث المصرية والسورية و الأردنية.منحه الرئيس السادات رتبة المشير في 19 فبراير عام 1974 إعتبارا من السادس من أكتوبر عام 1973 وهي أرفع رتبة عسكرية مصرية، وهو أول ضابط مصري على الإطلاق يصل لهذه الرتبة.تم تعيينه في 26 أبريل 1974 نائبا لرئيس الوزراء.وفاتهسقط المشير أحمد إسماعيل بعد كل هذه الأعباء التي تحملها في حياته فريسة لسرطان الرئة، وفارق الحياة يوم الأربعاء ثاني أيام عيد الأضحى 25 ديسمبر 1974 عن 57 عاما في أحد مستشفيات لندن بعد أيام من اختيار مجلة الجيش الأمريكي له كواحد من ضمن 50 شخصية عسكرية عالمية أضافت للحرب تكتيكا جديدا.لم يتمكن المشير – رحمه الله – من كتابة أهم كتاب عن حرب أكتوبر لكنه كان يكرر دائما أن الحرب كانت منظمة ومدروسة جدا وأن أى صغيرة أو كبيرة خضعت للدراسة وأن شيئا لم يحدث بالصدفة.قال له الرئيس السادات قبل الحرب بأيام: هي الحرب يوم أيه؟فقال: السبت.قال السادات: و النهاردة أيه؟قال: الثلاثاءفقال السادات مازحاً: أنا خايف يوم السبت الجاي تكون جثتك متعلقة في ميدان التحرير !!فقال إسماعيل: وأنا موافق من أجل مصرمن أقواله- لقد حققنا إنتصارا كبيرا بل حققنا إنتصارا مضاعفا لأننى تمكنت من الخروج بقواتي سليمة بعد التدخل الأمريكي السافر في المعركة.- كانت سلامة قواتي شاغلي طوال الحرب لذلك قال بعض النقاد أنه كان علينا أن نتقبل المزيد من المخاطرة وكنت على استعداد للمخاطرة والتضحيات لكنني صممت على المحافظة على سلامة قواتي لأنني اعرف الجهد الذي أعطته مصر لإعادة بناء الجيش وكان على أن أوفّق بين ما بذل من جهد لا يمكن أن يتكرر بسهولة وبين تحقيق الهدف من العمليات.- كنت أعرف جيدا معنى أن تفقد مصر جيشها إن مصر لا تحتمل نكسة ثانية مثل نكسة يونيو 1967 و إذا فقدت مصر جيشها فعليها الاستسلام لفترة طويلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق