القادم دم .
الخميس، 4 سبتمبر 2014
الأربعاء، 5 فبراير 2014
كيفية إعادة إنتاج الطغاة
والأنظمة المستبدة بالرغم من قيام الثورة.
1- صناعة وهم اسمه "الفوضى"
فى الوقت الذى يتمكن فيه الشعب
صاحب السيادة من الإطاحة بمن أغرقوه فى الذل والمهانة، وتعم فرحة كبيرة وأمل فى
زوال الغمة، تظهر أولى العقبات وهى حالة الفوضى التى تسود أي مجتمع بعد الثورات،
وهى فوضى "مفتعلة" هناك من يدبرها بخبث لا يكف عن إشعال الحرب تلو
الأخرى حتى يشعر الشعب بحاجته إلى قائد، وهى حيلة قديمة، فلقد جرت
العادة، عندما يموت الملك فى فارس فى العصور القديمة، أن يترك الناس
خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون بحيث تعم الفوضى والاضطراب جميع
أنحاء البلاد. وكان الهدف من وراء ذلك هو أنه بنهاية هذه الأيام
الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصى مدى، فإن من يبقى منهم
على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة سوف يكون لديهم ولاء حقيقى
وصادق للملك الجديد، إذ تكون التجربة قد علمتهم مدى رعب الحالة التى يكون
عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية.
حينها يبدأ الشعب فى البحث عن
قائد لتلك الفترة، يصلح لأوقات الأزمات، (( ولكن من يضمن حينها أن هذا القائد لن
ينقلب إلى مستبد جديد أو ديكتاتور جائر ؟))
2- استبدال الطاغية القديم
بآخر جديد
يبدو أن ظهور الطاغية مرهون
بوجود ضرب من الفوضى أو التسيب فى الدولة، بحيث يكون هو "المنقذ" الذى
يعيد النظام، والأمن، والاستقرار إلى البلاد حتى يشعر كل مواطن أنه أمن على نفسه،
وأهله، وماله.
ويشرح أفلاطون كيفية وقوع بلاد
قامت لتوها بثورة كي تخرج من عفن الفساد، لتقع فى "حجر" طاغية جديد، من
المفترض أنه جاء ينقذ البلاد من حالة الفوضى التى تتردى فيها، وكيف يبدأ
ألأيام الأولى من حكمه فى التقرب من الناس والتودد إليهم حتى يقتنعوا أنه المخلص
"فى مبدأ الأمر لا يلقى كل من يصادفه إلا بالابتسام والتحية،
ويستنكر كل طغيان، ويجذل الوعود الخاصة والعامة، ويعفى من
الديون، ويوزع الأرض على الشعب وعلى مؤيديه، ويتصنع الطيبة
والود مع الجميع، وفى الوقت ذاته يبدأ فى تكوين حرس قوى حوله
بحجة المحافظة على مطالب الشعب، ومراعاة لمصلحة الشعب ذاته"
وبمجرد أن يلتف الناس من حوله،
ويستشعر الحاكم الجديد بدخول "اللعبة" على مواطنيه، يبدأ فى تغيير خطط
اللعب
3- استحواذ الحاكم على
سلطات استثنائية مطلقة
بعد فترة قصيرة يعتبر أي نقد
موجه للحاكم شخصيا هو نقدا يوجه للبلاد كلها، وللشعب ذاته، ويبدأ الحاكم
الجديد فى الاستحواذ على كافة الصلاحيات ويجمع فى قبضته جميع السلطات بحجة أن وضع
البلاد يستدعى ذلك.
والمدهش أن مصطلح
"الديكتاتور" ظهر لأول مرة فى عصر الجمهورية الرومانية، كمنصب
لحاكم يتمتع بسلطات استثنائية، وكان الدستور الروماني ينص على أنه فى
أوقات الكوارث والأزمات تسلم كل السلطات فى يد شخص واحد، وتخضع له
الدولة بكاملها فى أوقات الأزمات المدنية أو العسكرية، ولفترة محدودة لا
تزيد عادة عن ستة أشهر أو سنة على أكثر تقدير. ولقد كان ذلك إجراء دستوريا، وإن
كان يؤدى إلى وقف العمل بالدستور مؤقتا فى فترات الطوارئ البالغة الخطورة.
وجرت العادة أن يكون قائدا
عسكريا، فيصبح هذا القائد "الديكتاتور" هو القيَم على الدولة فى وقت
الأزمة وتنتهي سلطاته الاستثنائية بانتهاء الأزمة، ويؤدى عندئذ الحساب
عما قام به.. ولم يكن الرومان يعتبرون ذلك الحكم سيئا، اللهم إلا إذا
خرج فيه صاحبه عن المهام الموكولة إليه، أو تجاوز حدود المدة الزمنية فاستمر
فى الانفراد بالحكم!
ولكن من يستطيع السيطرة على شخص
يمتلك فى جعبته كل السلطات، ويستطيع من خلالها التحكم فى مقادير البلاد طوال فترة
حكمه وربما يغريه ذلك بارتكاب أي خطأ أو حتى جرم دون محاسبة من أحد.
4- تصفية الثوار
وكما أن هناك من يحاول سحق
الثورة وإفشالها، فهناك الثوار، وقود كل ثورة وحراسها المخلصين، الذين يأبون
أن تنتهي قصة حلمهم بنهاية تعيسة، فيحاولون المرة تلو الأخرى فى استعادة رقى
المعنى ونشوة الانتفاضة والسعي وراء الحق وإسقاط كل ظالم مهما اختلفت مرجعياتهم،
فالظلم ملة واحدة
ولكن هؤلاء يكونون أول أهداف
الحاكم الجديد، فيبدأ بتصفيتهم الواحد وراء الآخر، بأن يقضى على كل ثائر وكذلك كل
صاحب فكر يرفض الخنوع والخضوع لسيطرته، فيتخذهم ذريعة لإشعال النيران فى البلاد،
ويبرر للشعب أنه بعدم السيطرة عليهم وقمعهم، ستضرم الفوضى ويعم الخراب، ويعقب
أفلاطون على ذلك أنه "لا محالة أن هذا السلوك لن يكسبه إلا كراهية متزايدة من
مواطنيه"
ولأنه " ليس للطغيان صورة
واحدة.. فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت إلى طغيان، أيا كانت
صورته..!"، كما يقول جون لوك –المفكر الإنجليزي-، فإن الحاكم الجديد حينما
يتأكد من خنوع الشعب واستكانته وأنه قد ولاه سيدا مطاعا، فإنه لا يجد غضاضة فى سفك
دماء أهله، فهو يسوقهم إلى المحاكمة بتهم باطلة وهى طريقة مألوفة لدى هذه الفئة من
الناس. فإنه يحتقر القوانين المكتوبة وغير المكتوبة.
ومثلما وقف فى وجه الظالم، كل
صاحب قضية، يقف بجانب الظالم كل متحول، صاحب مصلحة شخصية، لا يخجل من تزلف أو نفاق
أو تملق، طالما أن السلطان سيشمله برعايته، ويستظل حتى بحذائه، فهو "عبد
السلطة" يبيع فى سبيلها كل مبدأ، وينسى فى بريقها كل قيمة، ويخون فى سطوتها
كل شريف، ولكن لأن الأيام دول، فإن الحاكم لا يتوانى أن يضحى بكل لاعقي الأحذية
ممن يسبحون بفضله ويثنون على كراماته، بمجرد أن يستشعر بعلو نفوذهم أو ترديد
كلماتهم خارج دائرته، فيبدأ حينها فى التخلص منهم دون هوادة، ويوضح أفلاطون ذلك
بقوله: "إن الطاغية لا يترك فى النهاية شخصا ذا قيمة سواء
بين أصدقائه أو أعدائه".
5- تدمير روح المواطنين
وبعد أن يضمن الطاغية الجديد خلو
الساحة من الثوار ومن مرددي شعارات الثورة، وكذلك المنافقين والمتملقين، يشرع فى
تثبيت أعمدة حكمه، من خلال بعض الطرق –كما يبينها أرسطو- التى يلجأ إليها للاحتفاظ
بعرشه، وغايته النهائية بالتأكد من عدم قيام ثورات أو حتى انتفاضات ضده تقلق
استقراره على "كرسي الحكم"، وهى:
"تدمير روح المواطنين، وزرع
الشك وانعدام الثقة فيما بينهم، وجعلهم عاجزين عن عمل شيء أو فعل اى شيء! كذلك
تعويد الناس الخسة والضعة، والعيش بلا كرامة، بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا
الذل والهوان، ومنع المواطنين من أي تجمع لأغراض ثقافية أو أي تجمع مماثل،
وأخر وسائل الطاغية هي إفقار رعاياه حتى لا يكلفه حرسه شيئا من جهة، وحتى ينشغل
المواطنون من جهة أخرى، بالبحث عن قوت يومهم، فلا يجدون من الوقت ما يتمكنون فيه
من التآمر عليه".
ويندم حينها المواطن على فعلته
التى قدمت به إلى ذلك الهلاك المبين وأنه مهما كانت الأسباب فلن يقبل على مثل تلك
الأفعال –الانتفاضات أو الثورات- التى كادت أن تهلكه.
وهكذا تتم عملية إعادة
إنتاج طاغية مستبد آخر، قام على أنقاض الثورة، ظنه البعض فى البداية الملهم
والمنقذ من الفوضى، لكنه ضحك على الجميع، وصار خليفة لطاغية سابق لم يفرق بينهم
سوى بضعة أشهر هيأ خلالها الأجواء لتمكينه من تنفيذ خططه بإحكام، ربما يختلف فقط
عن الطاغية القديم فى لون البشرة أو فى مقاسات الثياب أو عدد معاونيه، ولكنه يبقى
خريج نفس المدرسة، مدرسة القمع والاستبداد والانفراد بالرأي واعتبار كل مخالف له
إما مجنون أو مأجور أو خائن لوطنه.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)